ظاهرة الوضع في التفسير
المقصود
بالوضع في الاصطلاح هو تلك المرويات التي اختلقها الوضَّاعون، ونسبوها إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لبعض الصحابة رضي الله عنهم أجمعين .
وقد
نشأت ظاهرة الوضع أولاً في الحديث النبوي، ثم ظهرت تبعاً لذلك في التفسير،
نتيجة لتوسع الدولة الإسلامية، وظهور الخلافات السياسية والمذهبية في إطار
الأمة الإسلامية .
والواقع، فإن ظاهرة الوضع عموماً ظهرت نتيجة
لأسباب عديدة لا مجال للخوض فيها هنا، بيد أننا نستطيع أن نُجمل تلك
الأسباب في ثلاث نقاط رئيسة هي:
الأولى التعصب المذهبي، فقد كان التعصب المذهبي الذي ابتليت به هذه الأمة نتيجة حتمية لانقسامها إلى فرق مختلفة ومذاهب متعددة .
أما
النقطة الثانية وراء تلك الظاهرة فكانت التقسيم السياسي للدولة الإسلامية،
واختلاف الولاء السياسي فيها؛ فبعد أن انقضى عهد الخلافة الراشدة بدأ عهد
الملوك والذي تمثل في الخلافة الأموية ثم العباسية، وقد اختلفت ولاءات
الناس باختلاف توجهات هاتين الخلافتين، فكان لهذا التقسيم واختلاف التوجهات
والولاءات دوراً في ظهور هذه الظاهرة وامتدادها .
ثم إن أصحاب
الأغراض والأهواء - وهذه النقطة الثالثة - أسهموا كذلك في بروز هذه
الظاهرة، وسعوا ما استطاعوا لاستغلالها؛ لتحقيق أغراضهم وأهدافهم العدائية
لهذا الدين... وهكذا وجد أعداء الإسلام في ظاهرة الوضع ضالتهم، للنيل من
هذا الدين وأهله فأخذوا يضعون من الأحاديث، ويختلقون من الأقوال ما يلبي
أغراضهم، ويحقق طموحاتهم ومخططاتهم .
لقد كان لنشوء ظاهرة الوضع
وانتشارها أثر سلبي على التراث العلمي لهذه الأمة عمومًا، والتفسير خصوصًا،
فهي من ناحية أفقدت البعض الثقة بمخزونها الثقافي، وأورثت البعض الآخر
التشكيك فيه أو الاستخفاف به .
وهكذا فقد لعبت هذه الظاهرة دوراً
سلبياً في اختلاط كثير من الأقوال التي لم يصح سندها بما كان قد صح سنده
وثبت نقله، فضلاًَ عن أن هذه الظاهرة كانت المدخل الذي دخل منه المستشرقون،
والباب الذي ولج منه المغرضون للنيل من هذا الدين وتراثه وعلمائه، فعملوا
على نزع الثقة من الأمة في تراثها، بدعوى عدم ثبوت كثير من الأسانيد فيه،
أو بدعوى وجود التناقض، أو بدعاوى أخرى لا تخفى على المتابع لكتابات وأعمال
أولئك القوم .
لكن ما لا بد من التنبيه إليه، والتركيز عليه، أن
ظاهرة الوضع قد مثَّلت جانبًا من علم التفسير فحسب، وليست هي التفسير في
مبتداه ومنتهاه؛ وبيان ذلك أن الله سبحانه قد قيضَّ لعلم التفسير من
العلماء الذين شمروا عن ساعد الجد، وصرفوا جُلَّ أوقاتهم، فتتبعوا أحوال
الرواة، ووضعوا قوانين الرد والقبول، ورحلوا في البلاد؛ ليبينوا الطيب من
الخبيث، ويعلموا الصالح من الفاسد، ويقيموا الصحيح من السقيم؛ فذادوا
بعملهم هذا عن حِمَى علم التفسير، ودفعوا عنه وضع الواضعين، وتحريف
المحرِّفين، ومغالاة الغالين، بحيث لم يبق في هذا العلم من الدخيل إلا
القليل، وهو معروف عند أهل ذلك الشأن، وعند من رزقه الله علمًا وفهمًا في
دينه. وبذلك تحقق وعد الله في حفظ هذه الشريعة، وحمايتها من كل ما أصاب
غيرها من الشرائع، من عوامل التحريف والبطلان .
وبناءً على ما سبق،
فليس الهدف فيما جاء في هذا المقال، التقليل من أهمية ومصداقية ما جاء في
التفاسير من أقوال وآراء لأهل العلم، فليس هذا ما أردنا وليس هذا ما نريد،
بل المرام من ذلك التنبيه على ظاهرة تاريخية وقعت، فاقتضى المقام التعرض
إليها بإيجاز واختصار .
ثم إننا نلفت الانتباه أخيرًا إلى أن
الحديث عن هذه الظاهرة وتفصيل القول فيها عادة ما يَرِد عند الحديث عن
تاريخ تدوين الحديث النبوي، وما رافق ذلك من تطورات ومظاهر، فمن أراد
التوسع في معرفة هذه الظاهرة وما يتعلق بها، فعليه بكتب تدوين الحديث
النبوي وعلومه، ففيها فَضْل قول وزيادة فائدة. والله الموفق والهادي إلى
السبيل المبين .