الشيخ
محمد بن أحمد الفيفي : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد
المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الطييبين
الطاهرين وبعد :
فإن من الظواهر التي تفشت في الآونة الأخيرة في
مجتمعنا ظاهرة الطلاق والتساهل فيه ، والمطلع على القضايا التي ترد الى
المحاكم والإستفتاءات التي ترد الى مكاتب الطلاق ليعلم كم هو حجم هذه
الظاهرة فقد ورد في إحصائية قريبة في هذه البلاد أن حالات الطلاق قد بلغت
25% من حالات الزواج وهذا يعني أن كل أربع حالات زواج تنتهي منها واحدة
بالطلاق ولاشك أن هذه ظاهرة خطيرة إذا مااستمرت على هذا الطريق .
لقد
أصبح الطلاق عند بعض الناس كاللبانة يلوكها بين أضراسه يلفظها متى شاء دون
مبالاة ومراعاة ، فإن وجد السكر قليلا في الشاي … طلق .
وإن وجد الملح قليلا في الطعام … طلق .
بل
إذا طرق الباب أحد خرج اليه وحلف عليه بالطلاق الا أن يدخل ، بل جعل بعضهم
من الطلاق سلاحا يشهره في وجه المرأة لتفعل له مايشاء فيقول لها: إن فعلت
كذا فأنت طالق ، وإن خرجت الى كذا وكذا فأنت طالق .
والأعجب من هذا أننا بدأنا نسمع أطفالا في التاسعة والعاشرة من أعمارهم بدأوا يطلقون ……… من ماذا ؟؟ لاأدري ،
وذلك ؛ لأنك تجد أحدهم يسمع أبا وعما وخالا وجدا ومجتمعا كلهم يطلقون ، فيقول : وأنا معهم أو يظن أن الطلاق من مفاهيم الرجولة .
لا..
والله بل إن الطلاق نعمة من نعم الله ومن محاسن هذا الدين العظيم إذا أحسن
إستغلاله وذلك عندما تتعذر مسيرة عجلة الحياة الزوجية ويصعب معها
الإستمرار والتواصل بين الزوجين ، ومن عرف أحكام الطلاق في الأديان الأخرى
والتضييق فيها كاليهودية والنصرانية علم جمال هذا الدين وسماحة هذه الشريعة
ولله الحمد .
ومن هنا يحسن بالمسلم أن يتعلم شيئا من أحكام الطلاق
حتى لايقع فيما وقع فيه غيره ، فإن الفقهاء رحمهم الله قد قسموا الطلاق
الى نوعين : طلاق سني , وهو ماتوفرت فيه شروط الطلاق ، وطلاق بدعي وهو
مااختل فيه واحد من هذه الشروط .
ولذلك فإن محور الحديث عن الطلاق سيكون إجابة عن سؤالين وهما : 1ـ متى نطلق ؟ ، 2ـ وكيف نطلق ؟.
أما الجواب عن السؤال الأول :
فقد
قال الله تعالى في سورة النساء : ( واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن
في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا
كبيرا ** وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن
يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما …) الآية .
وقال تعالى : ( وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما ) .
فهذه
المراتب الأربعة التي ينبغي للمسلم ألا يلجأ الى الطلاق إلا بعد إستنفاد
هذه الحلول الأربعة فلربما وجد الحل في واحدة من هذه النقاط أو هذه المراحل
فلا يحتاج عندها الى الطلاق ولعلنا نبدا بالحل الأول وهو :
@
الموعظـــة.لقوله تعالى ( فعظوهــن ) والموعظة تكون ببيان حكم الله في طاعة
الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة والترهيب من المعصية .[ تفسير ابن سعدي
142 ] .
قد يقول قائل : أنا لاأعرف ولاأجيد أن أَعِظَ الزوجة ، فنقول أن هذا لايمنع أن تعطيها كتابا يبين ذلك أو شريطا يحصل به المقصود .
فإن لم يُجْد الوعظ فينتقل الى الحل الثاني :
@
وهو الهجر لقوله تعالى ( واهجروهن في المضاجع ) والهجر علاج لمثل هذه
المشاكل ، ولكنه مقيد بأن يكون في المضجع وكما قال عليه الصلاة والسلام (
ولاتهجر إلا في البيت )
ولذلك يقول العلماء : إن هجر المرأة في
البيت والمضجع أشد وقعا في قلبها وأعظم تأثيرا عليها وذلك أن بقاء الزوج
معها مع هجره لها يجعلها تشعر بأن أنوثتها لم تؤثر في الزوج مع قربه منها ،
وأيضا للهجر في المضجع فائدة أخرى وهي : أن امكانية إعادة المياه الى
مجاريها أكبر مما لو هجر الزوج خارج البيت إذ أن من الممكن أن يفتتح الحوار
بينهما عندما يطول السكوت ويبدأ النقاش فتوجد الحلول وربما بعض التنازلات
وبهذا تصفوا النفوس وتنتهي المشاكل .
ثم بعد ذلك ننتقل الى الحل الثالث وهو :
@
الضرب إذا تعذر الإنتفاع بالهجرلقوله تعالى ( فاضربوهن ) ، لكن المصيبة أن
بعض الأزواج لايجيد إلا هذا الفن من العلاج ، فلا يلجأ لعلاج أي مشكلة إلا
بهذه الطريقة ، وهذا جهل عظيم ، بل إن البعض لايستعرض عضلاته وقوته إلا
على الزوجة :
أسد علي وفي الحروب نعامة…………… فتخاء تنفر من صفير الصافر.
بل أن البعض من الأزواج يستخدم في ذلك أدوات للتأديب فتاكة كالعقال والعجرة وماشابهها .
والذي
ينبغي أن يعلم أن الضرب لم يجعل علاجا أوليا بل إنه يأتي في المرحلة
الثالثة ، بل قال بعض أهل العلم : إذا إحتاج الزوج الى الضرب فليكن
بالسواك؛لأن الغرض من التربية والتأديب لا الإنتقام والتشفي ، وهذا أمر
يجهله كثير من الناس ، وقد قال عليه الصلاة والسلام ( لايجلد أحدكم إمرأته
جلد العبد ثم لعله يضاجعها من آخر اليوم ) رواه البخاري ، فإن هذا فيه
إزدواجية في الشخصية.
وقال عليه الصلاة والسلام : ( لايجلد فوق عشرة
أسواط إلا في حد من حدود الله )رواه البخاري. قال بعض أهل العلم : هذا في
المعلم مع تلاميذه ، والأب مع أولاده ، والزوج مع زوجته .
فإذا لم تنفع هذه الحلول السابقة فينتقل الى الحل الرابع وهو :
@
التحكيم ، قال تعالى : ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما
من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) وهو أن يؤتى برجلين مكلفين
عدلين عاقلين يعرفان مابينهما لمحاولة لم الشمل ، ورأب الصدع وإيجاد الحلول
المناسبة .
فإن تعذر مع هذا كله إستمرار الحياة الزوجية إلا على
وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله وليس من التفريق بدٌ وأنه الأصلح لهما
فُرق بينهما [ تفسير ابن سعدي 142بتصرف ] ولذلك يقول تعالى ( وإن يتفرقا
يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما ) وهذا هو الحل الأخير مع تعذر
سير عجلة الحياة الزوجية الذي طالما لجأ اليه كثير من الناس اليوم
متجاهلين بذلك الحلول الأربعة والتي قفزوها الى هذا الأمر دون مراعاة لما
يحصل من جراء هذا التصرف الذي قد يكون نتيجة لأمر أو سبب تافه فكم بسببه
تفككت أسر وتقطعت رحم وضاع أولاد وبنات بين أب قد تزوج إمرأة أخرى لاترحمهم
وبين أم قد تزوجت من رجل يبغضهم فصارت حياتهم جحيما لايطاق وفاتورة باهظة
دفع ثمنها أطفال أبرياء نتيجة تهور أب متسلط أو غضب زوج متعجل .
أما الجواب عن السؤال الثاني : وهو كيف نطلق ؟
فقد
سبق أن قلنا إن الطلاق منه ماهو سني ومنه ماهو بدعي ، والسني هو الذي
توفرت فيه الشروط الثلاثة : 1ـ أن يكون طلقة واحدة 2ـ في طهرٍ 3ـ لم يجامع
فيه .
أما دليل الشرط الأول : فقد جاء عند النسائي من حديث محمود بن
لبيد أن رجلا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن رجلا طلق إمرأته ثلاثا
،فقام الرسول عليه الصلاة والسلام مغضبا وقال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين
أظهركم ، فقام رجل من الصحابة فقال : دعني أضرب عنقه يارسول الله .
فتأمل أخي كيف كان الطلاق بالثلاث له هذا الشأن مما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقوم مغضبا بل إنه سماه لعبا بكتاب الله .
أما
مانراه اليوم ونسمعه من بعض الأزواج فإنهم يطلقون بارقام فلكية وخرافية
فيقول بعضهم لزوجته: طالق بعدد النجوم ، وآخر بعدد ذرات رمل الربع الخالي ،
وهذا والعياذ بالله من شدة بغضه وحقده على زوجته .
قد يقول قائل :
أنا لاأريدها أبدا ، نقول :طلق طلقة واحدة وعندما تنتهي عدتها فإنها تبين
منك بينونة صغرى لاتحل لك بعدها إلا بعقد ومهر جديدين . 2ـ الشرط الثاني : (
في طهر ) أي ليست حائضا ، والدليل ما جاء في الصحيحين من حديث إبن عمر رضي
الله عنهما عندما طلق إمرأته في حيض ، فاستفتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له : مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر
ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء أمسك وإن شاء طلق فتلك عدتها .
وأما التعليل :
فإن
المرأة تكون في وقت الحيض تعاني من الألآم في البطن والظهر وتوتر في
الأعصاب وتقلب في المزاج فربما تلفظت على الزوج بالسب والشتم أوبما يكره ،
فجاء تحريم الإسلام للطلاق في الحيض كأن فيه مراعاة لهذه الحالة التي
تعيشها المرأة والتي قد يكثر فيها الشجار والخصام .
وتعليل آخر :
فإن الزوج الذي يعلم إن الطلاق في حال الحيض محرم ولايجوز فإنه لابد أن
يسأل الزوجة عما إذا كانت حائضا أم لا حتى يطلق أو لايطلق ، ولنفرض أنها
كانت حائضا فإن الزوج سينتظر خمسة أيام أو ستة حتى تطهر فربما لم يأت ذلك
اليوم الخامس أو السادس إلا وقد ذهب مافي النفوس من الغضب والحقد والكراهية
فإن مثل هذه الأيام كفيلة بأن تطهر وتزيل ماقد وقع في القلوب ، وبهذا ربما
ألغى الزوج فكرة الطلاق وسلمت هذه الأسرة من الفرقة والشتات .
وتعليل ثالث : وهو أن مدة العدة ستطول وذلك لأن مدة العادة ( الحيض ) ستحسب معها .
الشرط الثالث : ( لم يجامع فيه ) .
أي
أن الطهر الذي يكون فيه الطلاق لابد أن يكون طهراً لم يجامع فيه ،فإن كان
قد جامع فيه فإنه يكون بذلك قد إختل شرط من هذه الشروط الثلاثةوذلك ؛ لأنها
ربما قد تكون حملت من هذا الجماع فتصبح العدة طويلة وهي مدة الحمل ، وربما
رزق منها مولودا فيندم الزوج بعده على ذلك الطلاق خاصة إذا كانت تلك هي
الطلقة الأخيرة .
والدليل على هذا الشرط :
قوله تعالى (
ياأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) قال ابن مسعود وابن عباس
رضي الله عنهم : أي طاهرات مستقبلات العدة من غير جماع .
بهذا نكون قد أجبنا بحمد الله عن السؤال الثاني .