وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ
اعداد الموضوع: محمد بن لمين
{
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ
فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا
كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ
وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
(86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ
وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لا
يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلا الَّذِينَ
تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا
كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ
أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } سورة آل عمران(91)
قوله:
{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } نزلت
في اثني عشر رجلا ارتدُّوا عن الإسلام وخرجوا من المدينة وأتوا مكة كفارا،
منهم الحارث بن سويد الأنصاري، فنزلت فيهم { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ
الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْه وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ
الْخَاسِرِينَ }
{
كَيْفَ يَهْدِي اللَّه قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } أي: لا
يهدي الله، وقيل معناه: كيف يهديهم الله في الآخرة إلى الجنة والثواب {
وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُم الْبَيِّنَات وَاللَّه لا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }
{
خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّف عَنْهُم الْعَذَاب وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ }
وذلك: أن الحارث بن سويد لما لحق بالكفار ندم، فأرسل إلى قومه: أن سلوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لي من توبة؟ ففعلوا ذلك فأنزل الله
تعالى: { إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
{
إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَحِيمٌ } لما كان منه، فحملها إليه رجل من قومه وقرأها عليه فقال
الحارث: إنك -والله -ما علمت لصدوق وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق
منك وإن الله عز وجل لأصدق الثلاثة، فرجع الحارث إلى المدينة وأسلم وحسن
إسلامه.
قوله عز وجل: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا } قال قتادة والحسن: نزلت في
اليهود كفروا بعيسى عليه السلام والإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم، ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن.
وقال
أبو العالية: نزلت في اليهود والنصارى كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم لما
رأوه بعد إيمانهم بنعته وصفته في كتبهم ثم ازدادوا كفرا يعني: ذنوبا في
حال كفرهم.
قال مجاهد: نزلت في جميع الكفار أشركوا بعد إقرارهم بأن الله خالقهم، ثم ازدادُوا كفرا أي: أقاموا على كفرهم حتى هلكوا عليه.
قال الحسن: ازدادوا كفرًا كلما نزلت آية كفروا بها، فازدادوا كفرًا وقيل: ازدادوا كفرًا بقولهم: نتربص بمحمد ريبَ المنون.
قال
الكلبي: نزلت في الأحد عشر من أصحاب الحارث بن سويد، لما رجع الحارث إلى
الإسلام أقاموا هم على الكفر بمكة وقالوا: نقيم على الكفر ما بدا لنا فمتى
أردنا الرجعة ينزل فينا ما نزل في الحارث، فلما افتتح رسول الله صلى الله
عليه وسلم مكة فمن دخل منهم في الإسلام قُبلت توبتهُ ونزل فيمن مات منهم
كافرا
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ } الآية.
فإن
قيل: قد وعد الله قبول توبة من تاب، فما معنى قوله: { لَنْ تُقْبَلَ
تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُم الضَّالُّونَ } قيل: لن تُقبل توبتُهم إذا(
رجعوا في حال المعاينة ) كما قال: " وليستِ التوبةُ للذين يعملون السيئات
حتى إذا حضر أحدهم الموتُ قال إني تبت الآن " سورة النساء الآية( 18 ) .
وقيل
هذا في أصحاب الحارث بن سويد حيث أمسكوا عن الإسلام، وقالوا: نتربص بمحمد
فإن ساعده الزمان نرجع إلى دينه، لن يقبل منهم ذلك لأنهم متربصون غير
محققين، وأولئك هم الضالون.
قوله
عز وجل: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ
يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْء الأرْضِ } أي: قدر ما يملأ الأرض من شرقها
إلى غربها، { ذَهَبًا } نصب على التفسير، كقولهم: عشرون درهمًا. { وَلَوِ
افْتَدَى بِهِ } قيل: معناه لو افتدى به ، { أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ }
قال
النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله لأهونِ أهل النار عذابا يوم
القيامة: لو أنّ لك ما في الأرض من شيء أكنتَ تفدي به؟ فيقول: نعم فيقول:
أردتُ منك أهونَ من ذلك وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن
تشرك بي" (1) .
__________
(1)
أخرجه البخاري في الرقاق باب من نوقش الحساب عذب: 11 / 400، وباب صفة
الجنة والنار: 11 / 416، وفي الأنبياء باب خلق آدم وذريته. ومسلم في صفات
المنافقين وأحكامهم باب طلب الكافر الفداء بملء الأرض ذهبا برقم (2805): 4 /
2160، والمصنف في شرح السنة: 15 / 242.
المرجع: كتاب التفسير : معالم التنزيل
المؤلف : محيي السنة ، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي (المتوفى : 510هـ)
المحقق : حققه وخرج أحاديثه محمد عبد الله النمر - عثمان جمعة ضميرية - سليمان مسلم الحرش