:: تهدأ فيه الأنفاس ::
:: تهدأ فيه الأنفاس ::
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً وَجَعَلْنَا الَّيْلَ لِبَاساً
ليلٌ تهدأ به الأنفاس،
وتسكن فيه الأعضاء والحواس،
وتحصل فيه الراحة والإيناس،
جعله الله برحمته وفضله وقت منام ودعة وإجمام وهدوء عام،وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
كان الليل في زمن مضى ميدانَ سَبْق ومطيةَ مجد ومضمار صدق وجد، لا ترى فيه إلا مصليًا أو باكيًا أو تاليًا أو داعيًا، وكان السلف رحمهم الله تعالى يرونه أعظم مطية إلى الجنة العلية،
أما اليوم فقد أصبح الليل لدى كثير من الناس لحظات طيش وضلال عيش، وصار السهر اليوم في الأعم الأغلب منبعًا للمعار ومجمعًا للأخطار وطريقًا للمهالك والمضار ومسرحًا للمواد المتلفة والبرامج المحرمة، بعد أن شحنه الشيطان بأوكار حزبه وأفكار جنده. سهرٌ على الجيَف وسمرٌ على المعاطب والتلف، سهرٌ دخيل وغريب، وسمر مخيف مريب، مرتع لكل فاسق وموبوء، ومجلبة لكل شر وسوء، من رأى نأى، ومن أبصر أقصر، ومن عاين باين، موارد مقتٍ وغضب وسخط وعتب، تمرض القلوب، وتولد الجرأة على الذنوب، ومع تلك المصائب والمعائب لا نرى له في الغالب إلا مغلوبًا لا غالب، ومصاحبًا لا مجانب، وما ذاك إلا نتاج إرضاع أجيال الأمة من لبان الحياة الغربية، وإطعامهم من ثمار شجرتها المذمومة، تلك الحياة التي من أعظم صفاتها وسماتها البعد عن الله تعالى والتمرد على القيم الروحية والانقياد للحياة الشهوانية البهيمية، وهو السم الذي سقتها إياه العلمانية بكفر أفكارها وفجور آرائها. فواجب على أمة الإسلام بجميع فئاتها وطبقاتها وخاصة ولاة أمرها حماية أجيالها من عنفوان بركان هائج لا يأتي على شيء إلا دمره وأفسده.
عند إجازة الدارسين وعطلة العاملين يصبح السهر مشكلة ومعضلة، وآفة مستشرية مضللة، يلغي أكثر السمار فيها الوجود، ويهجرون الرقود، مروجًا في مروج العطلة، وولوجًا في رهوج المعصية،
وما علموا أن أيام الصيف ما هي إلا طيف وضيف، أيامٌ ثم تنتهي، وليالٍ ثم تنقضي، فطوبى لعبد أخذ من حر لهيبها ولفح سمومها ويحموم ظلها وحميم مائها عظة رادعة وذكرى وازعة، تكفه عن قضاء ليله في معصية الخالق، وتزجية وقته عند المحرمات والبوائق، وقتل ساعاته عند هدامة الفضائل ومفسدة الأجيال والأسر والعوائل،
وطوبى لعبد زمَّ نفسه عن غيها، وقضى وقته فيما فيه نفعها، بين حلقات قرآنية، أو دروس علمية، أو دورات مهنية، وتنمية قدرات فكرية وعقلية، أو فسحة مباحة تقية نقية، من المحرمات برية.
الشيخ / صلاح البدير