اعتنقت الإسلام وابتليت بالشك ..وأصابها القنوط وتريد العلاج
السؤال:
أنا
اعتنقت الإسلام منذ تسع سنوات ولله الحمد ، وقد كنت في السابعة عشر من
عمري ، وقد حسن إسلامي ، إلى أن ابتلاني الله ابتلاءاً ، فلم أصبر ظنا مني
أنني كنت قريبة منه وطائعة له فلماذا ابتلاني؟ كنت أؤمن أن المؤمن إذا دعا
الله فسيستجيب له ولا يرده وسيكون معه ولن يخذله ، فدعوت واستخرت ، ولكن
طالت مدة الاستجابة ، فصرت شيئا فشيئا أتردد في الدعاء ، فلم أعد أرى منه
بدا ولا نفعا ، وصرت أسيء الظن بنفسي حتى بلغت الأسوأ ؛ وهو سوء الظن بالله
، لم أعد أرى فيه الصفات التي وصف نفسه بها من الرحمة . صرت أجادل نفسي
بالقرآن ، فكلما قرأت آية ، أقول : هذه لا تعنيني فالله لا يهتم بي ولا
يهمه أمري ، فالقرآن نزل في الصحابة ، أنا اليوم أعيش حزنا على أيامي
الطيبة مع الله حزينة على عباداتي التي خسرتها، ولكني ما زلت مسلمة ، ولكني
لست مؤمنة ، أنا أصلي أصوم ، ولكن الشك يقتلني . أحاول أن أعود ولكن نفسي
تغلبني ، وكلما أردت الدعاء أشعر بالقنوط ، والجدل ينتابني وأسئلة لم ترد
يوما على بالي، قد أبين بعض تلك الأسئلة مع إنكم ستؤاخذونني عليها ، ولكن
أنا راجية المساعدة. أنا اعرف أن الله خلقنا ، فاسأل نفسي فقط خلقنا
للعبادة مع أنه لا يحتاج لعبادتنا ، فلماذا فقط لنتعذب في الآخرة؟ مع أنه
كما نعرف أنه أرحم من الأم بولدها فأين هي تلك الرحمة؟ أنا أعلم أن حالي
أغضبكم ، ولكن اسأل الله ألا تعانوا ما أعاني ؛ لأنه أمر صعب ومميت ولولا
خوفي على إسلامي وإيماني لما تواصلت معكم !!!! هذه الأسئلة التي بينتها هي
من السوء الذي أعانيه وكل مرة تجادلني نفسي بخواطر جديدة فما الحل فقد صرت
اسأل أحيانا : ما دام الله يعرف إنني سأعود للكفر -مع إنني لا ارضي أبدا -
فلماذا هداني ليزيد من عذابي في الآخرة ! إنا حزينة ومشتاقة لأيامي الأولى
في الإسلام, مشتاقة لحب الله ورسوله , مشتاقة للرضا الذي كنت فيه ، فهل
يمكنني العودة أم أن الآتي أعظم؟ والله أنا خائفة من أن أخسر إسلامي ....
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل
الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، أن يوفقك للاستقامة على الصراط
المستقيم, وأن يذهب عنك ما تعانينه من الشكوك والوساوس, فهو ولي ذلك
والقادر عليه.
ثانيا :
من عقيدة المسلم أن يعلم أن جميع الخلق ملك
لله يتصرف فيها كيف يشاء , وإذا كان الملك ملكه ، فله الحكم المطلق
والمشيئة النافذة ، جل وعلا ، ولا اعتراض على ما فعله بخلقه .
بل أفعاله كلها حكمة وعدل وفضل ، علم بذلك من علمه ، وجهله من جهله .
والله تعالى قد خلق الخلق لحكم عظيمة.
منها
: أن تظهر آثار أسمائه وصفاته ، فيظهر عدله ورحمته وعفوه ومغفرته ، ويظهر
أيضاً: كمال سلطانه وقدرته ، وانتقامه من عدائه ، وشدة عذابه لهم .
وخلقهم أيضاً : ليعبدوه ويذكروه ويشكروه ، فإن كل عظيم يحب أن يحمد ، وكل كريم يحب أن يشكر .
فالله تعالى له الكمال المطلق الذي لا كمال بعده ، فيجب أن يوصف بصفات الكمال وأن يذكر بها ، وأن يثنى عليه بها .
ولهذا
قال النبي صلى الله عليه وسلم (لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ
مِنْ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَه) رواه البخاري (4634)
ومسلم (2760).
والنصيحة لك : أن تدافعي تلك الوساوس بقوة ، حتى لا تتمكن
منك ، والأمر يحتاج مجاهدة وعزيمة وإصرار ، وأبشري فإن الله تعالى يقول :
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ
اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69 ، فسوف يوفقك الله تعالى .
واعلمي
أنه لا يمكن أن يعرض الله تعالى عن عبده المقبل عليه ، فإن هذا يتنافى مع
رحمة الله تعالى وفضله وكرمه وجوده وحكمته ، بل قال تعالى في الحديث القدسي
: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي،
فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي
فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، إِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ
بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ
ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي
أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) رواه البخاري (7405) .
فاجتهدي في قراءة القرآن
والدعاء والذكر والصلاة والصدقة... وراغمي الشيطان وأذليه وسوف ترين إقبال
الله عليك والنور الذي سيلقيه في قلبك ، وحلاوة الإيمان التي تطلبينها .
واعلمي
أن الله قد يبتلي العبد بالمصائب لا لكراهته له ولا لإهانته ، ولكن لرفع
درجته ، ليصبر فتكفر عنه سيئاته ، وينال ثواب الصابرين : (إِنَّمَا
يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10 .
وقد
يرتقي العبد إلى درجة أعلى من درجة الصبر وهي الرضا بما قدره الله ، فيفوز
بأعظم مطلوب ، يرضى الله تعالى عنه ، لأنه رضي عن الله ، يقول النبي صلى
الله عليه وسلم : (إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ ،
فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) رواه
الترمذي (2369) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
والله تعالى قادر على
إجابة الدعاء بمجرد انتهاء العبد منه ، ولكنه قد يؤخر ذلك لمصلحة العبد ،
ليزداد دعاءً ومناجاة ، فتزداد حسناته ودرجاته عند الله .
وقد لا يجيب
الله دعاءه في الدنيا ، ولكنه يدخره له يوم القيامة ، فيكون أفضل للعبد ،
الذي لقصر نظره يفضل الدنيا العاجلة على ما يدخر له من النعيم في الآخرة ،
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ
لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ
بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا
أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ
مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا . قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ؟ قَالَ : اللَّهُ
أَكْثَرُ) رواه أحمد (10749) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب .
فأكثري من الدعاء ما استطعت فأنت على خير عظيم في كل الأحوال.
واعلمي
أن المؤمن إنما آمن بالله ليكون من أهل الجنة في الآخرة، أما الدنيا فقد
تحصل له وقد لا تحصل، ولكن الله يرزقه القناعة والطمأنينة وراحة البال.
فعليك
بطرد هذه الوساوس عنك، والإقبال على الله من جديد قائلة كما قال موسى عليه
السلام من قبل: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى).
قومي الآن
وتوضئي وصلي ركعتين لله بقلب خاشع متدبر ، وأكثري من الدعاء وألحي على الله
أن يصلح لك شأنك كله ، وأن ييسرك لليسرى ، وأن يدفع عنك السوء ، ووساوس
الشيطان .
نسأل الله تعالى أن نكون قد وفقنا في إزالة ما عندك من وساوس، وأن يشرح صدرك للإيمان، وأن ينفعنا جميعا بما قلنا، إنه قريب مجيب.
وآخر
ما نوصيك به هو أن تجتهدي في الازدياد من العلم الشرعي لا سيما فيما يتعلق
بالعقيدة ، وكتاب الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله (شرح العقيدة الواسطية)
من الكتب الجيدة التي ينبغي قراءتها ، وفيه كلام جيد عن الإيمان بأسماء
الله تعالى وصفاته ، وعن الإيمان بالقدر ، فلعل الله تعالى ينفعك به .
ثالثا :
صفات
الله ليست محصورة في الرحمة, فله صفات أخرى، منها : أنه جبار ، وأنه منتقم
من المجرمين , فإذا رحم فبمقتضى صفة رحمته, وإذا عذب فبمقتضى صفة انتقامه.
رابعا :
القدر
سرّ الله سبحانه وتعالى ، فما على العبد إلا أن يؤمن به ، ثم ينقاد لأمر
الله تعالى ، والله تعالى لا يقدر الله أمرا إلا لحكمة قد ندركها, وقد لا
ندركها ، فلا نزن الأمر بموازيننا نحن المخلوقين الضعفاء.
والله أعلم