رِحلة الموت...الطريق إلى الجنة أو إلى النار
الحمد لله القائل (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)
وصلى الله وسلم وبارك على القائل (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم ) ...
اما بعد اخوتي في الله...
رحلة الموت هي رحلة مليئة بالغموض والأسرار.
صحيح
أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد تحدث عن الموت، إلا انه أيضاً توجد
أسرار قد أخفاها الخالق الحكيم عن خلقه وذلك لحكمة إلهية لا يدركها سوى
الله عزوجل.
ويظل الموت هادم الملذات ومفرق الأحباب وعبرة لمن كان يخاف مقام ربه وتفكر في الدار الآخرة.
وفي موضوعي هذا أحب أن أدرج مقتطفات من الشعر كتبت في الموت وفي وصفه وكذلك عن وصف الروح.
* وما الموت إلا رحلة غير انها من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي
* هبطت إليك من المحل الأرفع ورقاء ذات تعزز وتمنع
وصلت إلى كره إليك وربما كرهت فراقك وهي ذات تفجع
* جزى الله عنا الموت خيراً فإنه أبر بنا من كل شيء وأرأف
يعجل تخليص النفوس من الأذى ويدني من الدار التي هي أشرف
* من كان يرجو أن يعيش فإنني أصبحت أرجو أن أموت لأعتقا
في الموت ألف فضيلة لو أنها عرفت لكان سبيله أن يعشقا
* عجبت من معجب بصورته وكان بالأمس نطفة مذرة
وهو بعد حسن صورته يصير في القبر جيفة قذرة
وهو على ما هو عليه ما بين جنبيه يحمل العذرة
* سلام على أهل القبور الدوارس كأنهم لم يجلسوا في المجالس
ولم يشربوا من بارد الماء شربة ولم يأكلوا من رطب و يابس
ألا فأخبروني أين قبر ذليلكم وقبر العزيز الباذخ المتنافس
* فهم في بطون الارض بعد ظهورها محاسنهم فيها بوال دواثر
خلت دورهم منهم واقوت عراصهم وساقتهم نحو المنايا المقادر
وخلوا عن الدنيا وما جمعوا لها وضمتهم تحت التراب الحفائر
وحلوا بدار لا تزاور بينهم وأنى لسكان القبور التزاور
* تفكر أين أصحاب السرايا وأرباب الصوافن والعشار
و أين الأعظمون يداً وبأساً و أين السابقون لذي الفخار
و أين القرن بعد القرن منهم من الخلفاء والشم الكبار
كأن لم يخلقوا أو لم يكونوا وهل أحد يصان من البوار
* ناديت سكان القبور فأسكتوا و أجابني عن صمتهم ترب الحصى
قالت: أتدري ما فعلت بساكني مزقت لحمهم وخرقت الكسا
و حشوت أعينهم تراباً بعدما كانت تأذى باليسير من القذا
أما العظام فإنني مزقتها حتى تباينت المفاصل والشوى
قطعت ذا، من ذا من هذا كذا فتركتها مما يطوف بها البلا
* تزود من الدنيا فإنك راحل و بادر فإن الموت لا شك نازل
ألا إنما الدنيا كمنزل راكب أناخ عشياً وهو في الصبح راحل
الموت باب و كل الناس يدخله يا ليت شعري بعد الباب ما الدار
الدار دار نعيم إن عملت بما يرضي الإله إن خالفت فالنار
هما محلان ما للناس غيرهما فانظر لنفسك أي الدار تختار
ما للعباد سوى الفردوس إن عملوا و إن هفوا هفوة فالرب غفار
* النفس تبكي على الدنيا وقد علمت أن السلامة منها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنها و إن بناها بشر خاب ثاويها
أين الملوك التي كانت مسلطة حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
لكل نفس وإن كانت على وجل من المنية آمال تقويها
فالمرء يبسطها والدهر يقبضها والنفس تنشرها و الموت يطويها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها و دورنا لخراب الدهر نبنيها
كم من مدائن في الآفاق بنيت أمست خراباً و دون الموت أهليها
* باتوا على قلل الأجيال تحرسهم غلب الرجال فما أغنتهم القلل
و استنزلوا بعد عز من معاقلهم فأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا أين الأسرة و التيجان والحلل
أين الوجوه التي كانت منعمة من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا
و طالما عمروا دوراً لتحصنهم ففارقوا الدور والأهلين وانتقلوا
و طالما كنزوا الأموال وادخروا فخلفوها على الأعداء و ارتحلوا
أضحت منازلهم قفراً معطلة و ساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا
ودمتم في حفظ الرحمن